ما أثقل هذا السؤال:
ماذا فعلت بنا الغربة؟
نحن الذين خرجنا من أوطاننا نحمل في قلوبنا أملاً، وفي أعيننا حلماً، وفي حقائبنا شوقاً لمستقبلٍ نبحث عنه ولا ندري إن كان موجوداً.
تغربنا…
كلٌّ منّا له حكاية، سبب، وجع، هدف…
ذهبنا بحثًا عن حياة كريمة، عن لقمةٍ نظيفة، عن غدٍ مختلف.
لكننا نسينا أن الغد قد لا يعوّض “اليوم”، وأن الوجوه التي نحبها لا تنتظر إلى الأبد.
دفعنا الثمن، وأكثر…
دفعنا من أعمارنا، من أعصابنا، من صحتنا، من مشاعرنا…
خسرنا لحظات لا تعوّض، أعيادًا بلا أحبة،
ودعنا من نحب عبر الهاتف، بكينا وحدنا في بلادٍ لا تفهم لغتنا ولا دموعنا.
خسرنا أمهات وآباء لم نلقَهم في أيامهم الأخيرة،
أحباء رحلوا ولم نودعهم… ولم نغفر لأنفسنا الغياب.
أين هم أولئك الذين خرجوا قبلنا؟
بعضهم عاد، لكن في توابيت خشبية، كي يُدفنوا حيث تمنّوا العيش،
بعضهم ظل هناك، غرباء إلى الأبد، يذوبون في مدن لا تشبههم.
يا من تفكر في الغربة،
اسأل قلبك قبل أن تسافر، هل يحتمل هذا الفقد؟
هل تقدر أن تعيش بعيدًا عن دفء الأم، وضحكة الأب، وحنان الأهل؟
إن لم تكن مضطرًا، فابقَ حيث الحب، حيث العائلة، حيث الوطن،
فـتراب الوطن أغلى من ذهب الغربة،
ولو سقونا في الغربة نبعًا من ذهب… لا يعوّض لحظة دفء مع من نحب.
أكرهكِ أيتها الغربة،
لأنكِ سرقتِ منّا أحلى ما في الحياة…
ولم تعيدي شيئًا.